ذكرى الساعة الواحدة مساءاً
رائحة البكاء تفوح من عينا أخي وهو يحاول أن يحبس تلك القطرات من
الهطول .
يرى جسمها الطاهر يطلق أنفاسه الأخيرة ليعلن بداية علاقته بالسماء ,
ونهاية ارتباطه بهذه الأرض .
الكل تكتسي ملامحه الحزن , و هول الفاجعة وما زال الأمل باقي بأن
القدر يخذل تلك الظنون وتبقى أنفاسها عطراً لهذا البيت .
2:00
pm
يهرع الأطفال لصوت خالي الذي يصرخ كطفل صغير , لا ترحلي من لي سواك
يفهم عثرتي ؟!
يضم جسمها بعجزه الذي منعه عن الحِراك فلتخبره برودته بأنك تحمل عجزاً
فوق عجزك .
توشحت الأعين تلك الحواجز السوداء التي تخفي الحزن خلفها , وبدأ صوت
النحيب يعلوا شيئاً فشيء ,
هول الموقف , ورهبة الموت تفرض على الألسن الصمت , لا شيء سوى البكاء يمطر على تلك الحجرة
الصغيرة .
4:00
pm
صوت الأذان يعلو ليخبر بأن الله أكبر من كل شيء , و لا شيء باقي سواه
.
تجري طفلتها المدللة في عين التي رحلت لتقترب من جسدها كما تفعل في كل
صلاة , تنظر إليها وقد ساد الصمت على ملامح وجهها الراحل , تكبر وخيبة الأمل
تلحقها بأن لا تكبيرة سوف تعقب صوتها , فترتمي باكية على ذاك الصدر التي احتوى
بكائها دوماً ولكن هذه المرة وقد اسكنه الرحيل .
6:00
pm
تفاصيل الرحيل عميقة , تخرس خناجر الألم بداخلنا , لا شيء أعمق وجعاً
برحيل من لا أمل بعودته ولقائه سوى في الجنة .
يغطي ملامح جسدها الأبيض ورائحة العود تفوح بالمكان ليعلوا صوت أحدهم :
تعالوا لإلقاء النظرات الأخيرة قبل أن يحتوي الجسد الذي احتواكم تلك السنين التراب
.تُطبع القُبلات والدمع يشوبها على جبهتها التي كنّا نستبق في كل مرة
نراها لنفوز بالقبلة الأولى منها .
8:00
pm
أيقن الجميع هنا بأن رحيلها أصبح حتميّاً , حتى طفلتها التي أنكرت
موتتها في اللحظة الأولى و صرخت بأن الكل يرحل إلا هي !
اللحظة التي ردد الإمام بها : الصلاة على الميتة رحمكم الله .
هنا أُيقن الفقد و رحلة الحنين التي سيأخذنا إليها , ليعود الجميع وهم
يخفوا ملامح الأنين التي علت وجهوهم .
ليقول أحد أبنائها بصوت متحشرج :
لا طاقة لي اليوم بأن أبقى وطيفها يحوم حولي في كل أرجاء المنزل ,
ليجر خطاه وهو يبكي حتى غاب ظله .
اليوم :
بعدما كان اللقاء يروينا , أصبحنا نتمنى حُلماً ذات ليلة نغفو وقد
أرهقنا الشوق إليها فنراها في جنة عدن , تهنأ بنعيم لا ينقطع .
فنرفع للرب ابتهالات الدعاء بأن يجمعنا بها فنعوض فقد السنين الأربع
التي مرت ونحن نُعانق طيفها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق